افتتاحية العدد 85

ما بعد حلب

لم تكن خسارة حلب سهلة... كانت الظروف أكبر منا بالفعل، وكان ميزان القوى مختلاً لصالح عدوّنا، وكانت النساء والأطفال والشيوخ المحاصرون نقطة ضعفٍ إضافيةٍ استغلها؛ ولكننا لم نستثمر كل إمكانياتنا للصمود لوقتٍ أطول أو للتفاوض على شروطٍ أفضل للخروج حتى، ما مكّن أشرس خصومنا من التمادي في التحكّم بالمهجّرين إلى درجة الإذلال. لا شك أن لنا عودةً إلى المدينة، ولا شك في أن لهذا الطغيان حدّاً سيتراجع بعده ويدفع ثمن هذه الغطرسة المراهقة، غير أن ذلك لن يتمّ قبل أن نجري مراجعاتٍ عميقةً لأدائنا في شتى المجالات، ويصلب عود من سيستحقون النصر.

ولعل التخبّط الذي يسود الآن بين الثائرين وفي حاضنتهم يكون فاتحة عهدٍ جديدٍ من التعاطي الجدّيّ مع مستحقات الطريق الذي شققناه منذ ست سنواتٍ ولا بديل عن متابعته حتى يصل إلى أهدافه. ولعل الهدنة، التي بدأت منذ أيام، فرصةٌ مناسبةٌ لذلك، لا سيما بعد ما بدا من شروخٍ في معسكر العدوّ، بين من يحتفظ بحدٍّ أدنى من التعقل واحترام البيئة السياسية للعصر والعالم وتوازناته وبين من لا يلقي بالاً لكل هذا، ويبقى أسير ثاراته الطائفية الدموية، يحشد لها ما استطاع من حمقى الإقليم ومهووسيه، ومن عبيد البوط ولابسيه ومعتنقيه في سورية.

مع بداية العام يتسارع العدّ النهائي لأيام المشروع الإيرانيّ المعربد. فقبيل استلام الرئيس الأميركيّ المنتخب، دونالد ترامب، مهامّه جرى تمهيدان أساسيان؛ الأول هو التقارب التركيّ الروسيّ على وضع أسس الحلّ السياسيّ والمرحلة الانتقالية في سورية، مما لا يمكن أن يتطابق مع أوهام بشار الأسد وجمهور الراقصين في مسيرات انتصاره الحلبيّة، والتمهيد الثاني هو حزمة من الإجراءات والقرارات الأميركية على مستوى السياسة الخارجية ودعمها عسكرياً، أتاحت لترامب رفع العصا الغليظة فوراً في وجه إيران، ولا سيما ميليشياتها في سوريا ولبنان والعراق.

في المستقبل القريب مؤشراتٌ إيجابيةٌ ولكننا، مرّةً أخرى، إن لم نكن جاهزين لاستثمارها والتفاعل مع معطياتها بما يخدم مصالحنا، فستعبر من فوقنا ولن نحصّل منها إلا فوائد عرَضية بعد تقاسم الأقوياء الوليمة.

يطال الكلام السابق المناطق المحرّرة وباقي الأراضي السورية التي ما زال يسيطر عليها النظام وقواته المختلطة، وتستثنى منه المنطقة الشرقية للأسف، دير الزور والرقة، طالما يحكمها الكابوس الداعشيّ ويستجلب لأهلها الموت والدمار من كل من يريد أن يجرّب عضلاته في محاربة الإرهاب!