ارتفاع تكلفة علاج الأسنان في إدلب يدفع المرضى إلى بدائل غير مناسبة

أسنان ذهبية وفضية مع الأدوات التي يحملها مصلحو الأسنان الجوالون - 2018 (اقتصاد)

لا يستطيع الكثير من سكان إدلب الإقدام على معالجة أسنانهم، وذلك لارتفاع أجور العلاج، والتي لا تتناسب مع دخلهم المحدود أو المنعدم، لا سيما وأن تسعيرة العلاجات السنية يتم تحديدها بالدولار.

يحاول الحاج فايز (57 عاماً) إصلاح طقم أسنانه "البدلة" بنفسه، عبر وضعه بوعاء يحتوي على ماء وملح، ونحته بطرف سكين حاد ليعيده لفمه مرة أخرى. يقول فايز "عانيت الأمرين حتى استطعت الحصول على طقم الأسنان هذا، ولكن لو عرضته على طبيب سيطلب تغييره، لأنه مضى عليه أعوام وتأكلت أطرافه".

 لا يستطيع الحاج فايز تأمين ثمن طقم أسنان جديد نظراً لارتفاع تكلفته، كما اضطر منذ سنوات عدة لخلع آخر أضراسه لعدم قدرته على تكلفة إصلاحه.

 يعاني الكثير في المناطق المحررة من آلام الأسنان، في ظل عدم قدرتهم على تأمين مصاريف العلاج، بينما لا توفر العيادات السنية المجانية إلا بعض الخدمات الخجولة. في حين ترتفع أجور العيادات الخاصة، ما يجبر من يعاني من آلام الأسنان على الاكتفاء بتناول المسكنات ليهدئ من آلمه من حين إلى آخر.

يقول السيد محمد أنه اعتاد على آلام أسنانه، و بأنه بات يلجأ إلى استخدام نبتة القرنفل وبعض المسكنات عند كل نوبة آلم. "عندما زرت عيادة طبيب الأسنان أخبرني بأن أسناني بحاجة إلى جلسات طويلة من العلاج، وأن كلفتها 50 دولاراً على الأقل".

 ويضيف محمد "الشتاء على الأبواب وتكاليف الحياة كثيرة، لذاك ليس باستطاعتي أن أوفر مبلغ إضافي لكي أعالج أسناني".

تتراوح المعالجة العادية للسن الواحد بين 10 إلى 15 دولاراً، في حين تبلغ تسعيرة تاج الخزف حوالي 15 دولاراً، وتاج الزيركون يتراوح بين 50 و 60 دولاراً، إذ تختلف الأسعار قليلاً من عيادة إلى أخرى، وتحدد الفروق تجهيزات عيادة الطبيب وأنواع المواد المستعملة.

يقول الطبيب إبراهيم عبد الوهاب اليعقوب نقيب أطباء الأسنان في محافظة إدلب، أن أجور علاج الأسنان انخفضت إلى النصف تقريباً مقارنة عما كانت عليه سابقاً، موضحاً أن انخفاض دخل الفرد يوحي بارتفاع التسعيرة حالياً.

 ويضيف اليعقوب في حديث لعين المدينة، أن النقابة لا تستطيع تحديد الأسعار بشكل مباشر، "لأن مفردات المعالجة كثيرة جداً، وهي تختلف وفق متغيرات كثيرة منها نوع المواد المستخدمة ومكان العيادة وخبرة الطبيب واختصاصه وأمور كثيرة جداً".

"طبيب الأسنان لا يقدم سلعة أو منتج حتى يتم تسعيرها، وإنما خدمة طبية" يختم اليعقوب.

 تنتشر عيادات مجانية في بعض المستشفيات والمراكز الصحية التي تدعمها المنظمات حسب برامجها المعتمدة، إلا أنها تقدم خدمات أساسية بسيطة مثل سحب عصب السن والحشوة والقلع البسيط، كما أنها تفتقر إلى التجهيزات الجيدة، وتعاني من ازدحام كبير عليها، وقد يضطر المريض إلى الانتظار نحو شهر كامل لتلقي العلاج، إذ تستقبل العيادات أعداداً كبيرة من المرضى يومياً، ما يقلل من جودة الخدمة الطبية التي تقدمها.

 كما توفر كلية طب الأسنان في إدلب معالجة مجانية لعشرات المرضى مع بداية كل عام دراسي، إلا أنها لا تشهد إقبالاً جيداً.

وتقول هبة من سكان إدلب، إنها تلقت دعوة من إحدى طالبات كلية طب الأسنان لتتلقى معالجة مجانية، إلا أنها بدت مترددة وقررت عدم الذهاب.
توضح هبة "ليس لدي الثقة والجرأة الكاملة للذهاب إلى الطبيب، فكيف أذهب لطالبة لم تتخرج بعد".

 تقدم كلية طب الأسنان معظم الخدمات الطبية لمعالجة الأسنان ولكن ضمن فترة محددة تبدأ بانطلاق العام الدراسي، وتنحصر المعالجة للحالات المطلوبة ضمن المنهاج الدراسي في كل عام، كما يتطلب من المريض الحضور في أوقات محددة تتلائم مع دوام الطالب المعالج وأستاذه المشرف.

 مع خلع آخر أضراسه اضطر أبو منير إلى الذهاب إلى أحد العاملين في مجال معالجة الأسنان لتركيب طقم أسنان جديد (بدلة). يقول "السعر في هذا المركز نصف التكلفة التي طلبها الطبيب".

 يدير المركز الذي قصده أبو منير فني الأسنان رائد أبو عبد الله، والذي يعرّف عن نفسه بأنه صاحب مهنة، ويقول "إنني أعمل في مهنة تصليح الأسنان، وقد ورثت هذه المهنة عن أجدادي ولم أدرسها في المعاهد أو الجامعات".

 ويستطرد "استطعت تطويرها مع الزمن، أستطيع صناعة جسور الأسنان والحشوات وطقم الأسنان (البدلة) وبجودة جيدة وبنفس المواد التي يستخدمها الطبيب".

 يشهد بيت أبو عبد الله والذي جعله مركزاً لمراجعيه إقبالاً جيداً، لكون أسعاره تصل إلى الأسعار التي تطلبها العيادات المتخصصة، "أعمل من داخل بيتي، كما أمتلك حقيبة للجولات المتنقلة، عملنا متقن ولا ينقصه شيء وهو بنصف سعر الطبيب" يقول أبو عبد الله.

 ويرى طبيب الأسنان إبراهيم، أنه من الإجحاف مقارنة طبيب الأسنان بهذه الفئة "مهنة تصليح الأسنان"، وهو أمر غير مقبول حتى لطرح هكذا سؤال".

 ويضيف "أما إن كان الحديث عن أمر واقع، فهو غير صحيح وغير قانوني وغير أخلاقي، ويعكس مدى الجهل الطبي والفقر".

 يبدو أن انخفاض التكلفة يدفع الكثير من المرضى إلى اللجوء لتلك المخابر، التي تفتقر إلى التجهيزات التي تتوفر في عيادة الطبيب، كما لم يتكلف أصحابها عناء الدراسة التي تؤهلهم لمزاولة هذه المهنة، وهو ما يجعلها قليلة التكلفة. لكن ذلك يأتي على حساب أمور أخرى مثل استخدام الأدوات من فم إلى آخر، ما يؤدي إلى ظهور بؤر انتانية، كما ينوه أكثر من طبيب.