إعلاميون من دمشق وريفها تركوا عملهم في الشمال المحرر (أكثر من نصفهم فقد عمله)

الصورة من أرشيف أبو مالك الشامي زود الكاتب بها

تبقى رحلة التهجير أقسى الظروف التي واجهت ثوار دمشق وريفها، فقد وجدوا أنفسهم مضطرين لمواجهة أعباء حياة جديدة، من بينهم مئات من النشطاء الإعلاميين اضطروا لترك كاميراتهم بعد وصولهم إلى الشمال المحرر، حيث قرروا أو أجبروا عن الابتعاد عن العمل الإعلامي، إما لعدم توفر الفرصة المناسبة، أو اختلاف البيئة الاجتماعية، أو عدم توفر الأدوات وقلة الخبرة وكثرة العاملين في هذا المجال في الشمال. كما اتجه بعضهم لمتابعة دراسته أو قرر الهجرة من جديد لبلد أكثر استقراراً.

"أبو اليسر براء" اسم حركي لناشط إعلامي من الغوطة الشرقية يقول لـعين المدينةمتحدثاً عن أحوال أصدقائه الإعلاميين، إن "أبرز المشكلات التي صادفتهم هي إغلاق كثير من الوكالات والمنصات المهتمة بالشأن السوري"، ويضيف براء أسباباً أخرى هي أن "الكثير من العاملين في المجال الإعلامي لا يمتلكون شهادات تخص مجالهم، ومنهم من لم يستطع استكمال دراسته في ظل الحصار والمعارك التي شهدتها مناطق ريف دمشق خلال الأعوام الماضية".

أما خالد الرفاعي وهو إعلامي من عربين وعمل كمراسل سابق للهيئة السورية للإعلام ومواقع إعلامية أخرى، فيقول لـعين المدينة“: "بعد وصولي إلى الشمال المحرر نزلت في جرجناز جنوبي معرة النعمان، ومع اقتراب المعارك من المنطقة اتجهت إلى ريف حلب الشمالي (درع الفرات)". وبذلك كان النزوح المتكرر إحدى عوائق الشاب في إنجاز عمله الإعلامي. كما أسهم قرار إغلاق الهيئة السورية للإعلام في بداية 2018 بفقد الرفاعي عمله الذي كان مصدر دخله الوحيد. يقول "بعد التهجير أصبح تأمين عمل جديد صعباً جداً، لاسيما مع تغير سياسية الداعمين الذي أغلق الكثير من وسائل الإعلام".

 لم يعد "الرفاعي" يعمل بشكل رسمي مع أي قناة أو وكالة اعلامية، ويعتمد على تقديم تقارير لبعض المواقع الإعلامية. ومع تدني الظروف المعيشية وجد الرفاعي نفسه مضطراً إلى البحث عن مصدر دخل جديد، فعمل كمتطوع في إحدى منظمات العمل الإنساني بعقد محدد بمدة زمنية أقصاها 6 أشهر.

 كما لم يحظَ أبو مالك الشامي (اسم حركي لإعلامي آخر من دمشق) بفرصة جيدة في الشمال السوري تمكنه من متابعة عمله الإعلامي الذي بدأه في العاصمة دمشق، وتابعه في مدينة داريا نهاية 2012. كان أبو مالك الذي اشتهر برسم الجداريات واللافتات الثورية ضمن المئات الذين ركبوا باصات التهجير من ريف دمشق إلى الشمال المحرر . يقول "لم يكن لي أي نشاط إعلامي قبل الثورة، ومع انطلاقها عملت كمصور وناقل للأحداث، ونشطت في الرسم على الجدران وتصميم اللافتات الثورية".

عمل أبومالك في مركز داريا الإعلامي على توثيق وأرشفة الأحداث والمعارك في مدينة داريا طيلة فترة الحصار، وعن تجربته التي عاشها في داريا يروي: "اكتشفت موهبتي بالرسم خصوصاً فن الغرافيتي، ومع أن داريا كانت محاصرة، لكنني مارست التجربة بحرية كبيرة من حيث الأفكار واختيار الأوقات والأماكن دون أي تردد أو خوف، وهذا عكس ما وجدته في الشمال المحرر الذي تتوفر فيه مقومات الحياة ولكن دون الحرية التي يبنى عليها الفن".

 في الشمال المحرر وجد أبو مالك نفسه مضطراً إلى الابتعاد عن مجال الإعلام والتصوير نتيجة خبرته المتواضعة أمام الخبرات الكثيرة المتوفرة، فقرر العودة إلى مقاعد الدراسة، والعمل في إحدى المؤسسات التعليمية لتأمين مصدر دخل يعينه على مواجهة أعباء الحياة.

واختار الناشط الإعلامي قصي نور بعد وصول الشمال مهجراً من عربين، طرق التهريب عبر الحدود السورية التركية، بعد مضايقات أمنية تعرض لها نتيجة عمله الإعلامي. وكان نور قد عمل كمراسل مع موقعزمان الوصلووكالة الأناضول، وقادته عملية التهجير للإقامة مدة قصيرة في معرة النعمان قبل تركها. يقول: "تغير الجغرافيا كان سبباً أساسياً في عدم تمكني من ممارسة عملي الإعلامي بحرية، لاسيما الفصائلية والخلايا الأمنية (التي واجهها مع البيئة الجديدة)"، موضحاً أنه ترك العمل الإعلامي متجهاً إلى الأعمال الحرة في تركيا ليؤمن معيشته.

وفي حديثه لـعين المدينة، يوضح عبد الرحمن الدوخي رئيس مجلس إدارة رابطة الإعلاميين للغوطة الشرقية في الشمال، أن "عدد الإعلاميين المهجرين من دمشق وريفها حوالي ٤٧٠ صحفياً وإعلامياً، منهم ١٣٠ شخصاً من منتسبي رابطة الإعلاميين، وقد فقد أكثر من نصفهم عملهم الإعلامي بسبب التهجير للشمال".

ويقول الدوخي إن الرابطة عملت على إعادة تنظيم صفوفها منذ وصولها إلى الشمال المحرر، عبر إعادة ترميم ما فقده الزملاء في صفوف الرابطة من معدات، وإقامة اجتماعات دورية، في محاولة لدعمهم باستمرار عملهم وتقديم التسهيلات.