إعلام النظام السوري...
يحلــم بمصـــر الجـديـدة على طريــقــته

"حكم الإخوان يترنّح في أرض الكنانة"... هذه هي مصر في عيون "الإعلام الرسمي السوري". ما يجري في مصر اليوم هو بمثابة سقوطٍ لحكمٍ جاءت به ثورة، أكثر مما هو سقوطٌ لنموذجٍ قياديٍ إسلاميٍ سياسي. ويعزّز الحالة الاحتفالية للنظام كون الرئيس مرسي أغلق السفارة السورية في مصر. وكأن ما يحدث الآن في ميدان التحرير بالقاهرة حراكٌ سيثمر فتح العلاقات مع نظام الأسد من جديد، والوقوف مع جيشه في قمعه للثورة. مع العلم أن القوى والتيارات التي دعت إلى قيام ثورة مصرية جديدة، بعد عامٍ على حكم مرسي، تعتبر من أكثر التيارات تأييداً للثورة السورية، وقد أخذت على مرسي تأخره في قطع العلاقات مع النظام السوري. إلا أن إعلام هذا النظام بات غير مهتمٍ بالنتائج نهائياً، بل يحاول قيادة فقاعة إعلامية يتعلق بها مؤيّدوه، ثم يبتسم بعد أن تكون النتائج ليست في مصلحة دكتاتوريته.

من الغريب في أداء الإعلام السوري الرسمي أن يحتفي بتبدل الحكام وهيجانات الشوارع والاعتصامات الكبرى في العالم، فيهلل لاعتصامات ميدان تقسيم في اسطنبول، ويرحب بأي حراكٍ شعبي عالمي، متبنياً خطابات المعارضات السياسية، كونها تستهدف أنظمة تقف ضده كنظام دكتاتوري. حتى أن أبسط مجريات انتقالات السلطة تمثل لهذا الإعلام تغييراً نوعياً يجب تسليط الضوء عليه، فتولّي تميم بن حمد السلطة بعد والده هو انهيارٌ لحكم قطر التي تآمرت على سورية، وانتقال السلطة في إيران هو نموذجٌ ديمقراطيٌ بحت، بحيث تبنى جميع رسائل النظام الإعلامية من خلال أيديولوجية بعثية للغاية، يمكنه أن يضرب فيها عرض الحائط بكل قيمة إنسانية أو فكرية أو منطقية... فـ"المنطق" يفرض أن يقف ضد أي حراكٍ شعبي في العالم، حتى دون أن يعترف بالحراك الشعبي السوري، وأن يؤيد كل تصرفٍ عسكريٍ أو قمعيٍ ضد أي مظاهرةٍ، على اعتبار أنه يمارس أضعاف ما تتم ممارسته في الدول الأخرى. إلا أن هذا بعيدٌ عن إعلام يوجّه رسالته بالأخص لمن سوف يتّبع أية رسالة يتم توجيهها، بغضّ النظر عن مضمونها أو خلفيتها أو منطقيتها. ويقول قائل: "ليس غريباً أن يرحّب الإعلام السوري الرسمي بمظاهرات مصريين ضد نظام مرسي، ما دام لم يعترف حتى الآن بتبعية قرية سورية للمعارضة".. هي حالة التعامي المنطقي لنظامٍ قادرٍ على إغماض عينيه عن كل شيء، ومن ثم تركيز النظر على شيءٍ قد لا يخدم مصلحته، وإنما يزيد من تضليل متابعيه العقائديين... القادرين على تصديق خبر احتلال الجيش السوري للمريخ، طالما أنه يفكك أكثر من عشر عبوات ناسفة في الدقيقة، حتى بعد انفجارها، ويكاد يجري حواراً مع إرهابي فجّر نفسه في ساحة دمشقية.

تقول سانا، دون أن يرفّ لها جفن: "وفي الميادين؛ ألقى المتظاهرون المصريون في ميدان الشون بالمحلة القبض على أحد المسلحين الذين أطلقوا النار على المتظاهرين، بينما استطاع اثنان آخران الهرب". وتضيف: "يشهد ميدان رابعة العدوية في القاهرة تجمعاً لأنصار مرسي والتيارات الإسلامية، في محاولةٍ يائسةٍ لاستعراض القوة أمام الحشود الغفيرة التي بدأت تعجّ بها ميادين مصر وساحاتها اليوم للمطالبة برحيل مرسي وإخوانه".... هو الإعلام ذاته الذي نفى إطلاق النار على المتظاهرين في مختلف المدن السورية، وهو نفسه الذي صوّر أنصار الأسد في ساحة السبع بحرات بدمشق على أنهم أكثر من سكان سورية.

وربما كان ما ينتظره الإعلام السوري من الحراك المصري الحالي هو أبعد ما يكون عن الواقع، فسواء توّجت التظاهرات بسقوط مرسي أو استمراره، أو حتى بسيطرة العسكر على الدولة، فلن يقدّم أحدٌ أية مكاسب للأسد، ولن يعيد فتح سفارته في أرض الكنانة.