أليكسي نافالني: الإنسان الأكثر حرية في العالم

Alexei Navalny - AP Photo/Alexander Zemlianichenko

تيري لانغستون
10 شباط  The Globalist
ترجمة مأمون حلبي

 عند قراءة خطاب نافالني الموجّه إلى المحكمة الروسية في الثاني من شباط، لا يمكن للمرء في الواقع إلا أن ينفجر بالضحك عدداً من المرات، وبعد ذلك يتمالك المرء نفسه ويقول: "كيف أستطيع أن أضحك في هذا الوقت؟ هذا الرجل واقع في متاعب كبيرة". أجل، إنه واقع في متاعب كبيرة.

من الخطأ بمكان أن نقلل من الطبيعة الجنائية لإجراءات المحكمة الصورية التي أُقيمت ضده في موسكو. لا شك لو كانت توجد أية عدالة في روسيا، لكانت الأحكام التي صدرت بحقه قد شقت طريقاً عكسياً لها –ولكان نافالني حراً من الناحية الجسدية. لكن إن أمعنّا النظر أكثر، فإنّ قراءةً لكلماته تغوص أعمق بكثير من الظروف الظاهرية. إنها ليست مسألة ضحك– ومع ذلك...

لماذا يضحك المرء عندما يقرأ كلمات نافالني؟ أولاً، لأنّ هذه الكلمات تلجأ إلى الاستخدام المحض للسخرية. وثانياً، لأنّ المرء يشعر على الفور أن أولئك الذين يوجّه إليهم كلماته عاجزون كليّة عن فهم هذه السخرية. الأنظمة الشمولية والحكّام أصحاب البطش لا "يلتقطون" السخرية، فالسخرية هي أداة تستخدمها المعارضة ضدهم. مع ذلك، يجعل نافالني حجّة قضاة بوتين الدمى (هذه الحجّة القانونية المدوّخة والمحبوكة بدهاء) تبدو بالضبط كما هي عليه: حكم مرتّب بشكل مسبق، ويهدف إلى إرضاء نظام استبدادي.

ضبط بوتين متلبّساً

أنا أيضاً هززت رأسي بإعجاب ومرح خالصين عندما ضبط نافالني بشكل فكاهي –لكن دون رحمة– بوتين بالجرم المشهود بوصفه الرجل الذي كان وراء الحملة الموجّهة ضده: "التفسير هو كراهية وخوف رجل واحد، رجل يختبئ في ملجأ. أثرت انزعاجه إلى درجة قصوى ببقائي حياً. وبعد ذلك ارتكبت حتى إساءة أكثر خطورة: لم أهرب وأعثر على ملاذ لي في مخبأ".

في كلمته أمام المحكمة، أظهر نافالني شجاعة فائقة. القادة الاستبداديون دائماً جبناء، بلطجية وجبناء. يريدون من الناس أن يخشوهم، ولا يستطيعون تحمّل من لا يهابهم. ببراعة كبيرة، وبطريقة تجعلنا متوتري الأعصاب، يُشير نافالني إلى اختباء بوتين "في ملجأ"، ويُعيدنا ضمناً إلى أيام هتلر الأخيرة، جاثياً في ملجأه في برلين، ومحاولاً إنكار ما كان يجري على مقربة منه فوق الأرض.

بأسلوب المرافعات أمام المحاكم، يوضّح نافالني للمحكمة أنّ كبيرهم ومعلمهم بوتين رجل مسكين، مهنياً وفي جوانب أخرى. بصفته سياسياً "أبداً لم يشارك بوتين في أي نقاش، ولم يخض أي حملة انتخابية. إنه مجرد بيروقراطي عُيّن بالصدفة في هذا المنصب". عند هذه النقطة يُعلن نافالني عن تحديه للشعب الروسي. السؤال المؤجّه إليهم هو: هل تريدون أن تستمروا بهذا الزيف الديمقراطي؟

وفي سياق عالمي، ليس بوسع المرء إلا أن يُلاحظ أنّ نافالني يقول عن بوتين بالضبط ما قاله جو بايدن عن الرئيس الصيني جي بينغ: "لا يمتلك عظمة ديمقراطية واحدة في جسده". عن بوتين يؤكد نافالني أنّ "القتل هو الطريقة الوحيدة التي يخوض معاركه بها". وهو يطلب من الروس –والعالم– أن ينظروا إلى بوتين بمنظار حقيقته وبمنظار ما يمارسه.

 إنّ واقعة أنّ نافالني وفريقه استطاعوا جعل أحد القتلة المأجورين من قِبل بوتين يعترف في شريط فيديو أنّ أفراداً من جهاز الأمن الروسي الفيدرالي قد وضعوا السم في ملابس نافالني الداخلية –وهذا كاد يقتله تقريباً– هذه الواقعة لا بد أنها قد قتلت بوتين بطريقتها الخاصة.

إحساس نافالني الخارق بالحرية الشخصية

تُظهر مجريات هذا الحدث الحرية على مستوى بالغ العمق. قال نافالني: "إنّ الشيء الرئيسي في كل هذه المحاكمة ليس ما يحدث لي. سجني ليس أمراً صعباً. ما يهم أكثر من أي شيء آخر هو السبب في حدوث ذلك. هذا الأمر يحدث لإخافة أعداد كبيرة من الناس. إنهم يسجنون شخصاً ليبثّوا الرعب في قلوب الملايين".

يُتابع نافالني قول الحقيقة عن الفوضى التي يجد الروس أنفسهم فيها، شعب يعيش دون ضرورة في حال من الفقر، وسط ثروة كبيرة من الموارد الطبيعية، وفي حال من الرعب الذي ينشره المستبدّون وعصبة الحكم.

إنّ فهم واستخدام الحرية هو الأداة الوحيدة التي يُجابَه بها الزعماء من أصحاب اليد الطولى في هذا العالم. إنهم يفتقرون لفهم الحرية افتقاراً مطلقاً. عوضاً عن ذلك، تراهم أسرى خزائنهم المالية وجشعهم وسلطتهم، دون أن يستطيعوا الفكاك من ذلك. بناء على هذا، هم السجناء الحقيقيون، سجناء أوهامهم الذاتية ونرجسيتهم المرضيّة.

ختاماً، بقدر ما يتعلق الأمر بنا، نحن الناس العاديين، من المحبّذ أن نلاحظ عبارة حنّة أرنت أنّ الحرية مسألة حياة يومية، فالحرية تُطالب كل إنسان أن يُعاين سجون الفكر التي تخصه وأن يتصرّف تصرفاً حاسماً ضدها.

هل يستطيع كل شخص أن يحرّر نفسه من الأوهام والبُنى التي تمنعه من العمل بشكل حر بحق؟ هل نمتلك تلك الشجاعة؟

أمر واحد هو بحكم الأكيد: مهما يكن ما سيحدث له، نافالني رجل حر.