أسطورة المغني المقاتل... الساروت متظاهراً حياً وشهيداً

لطالما كان أحد الذين يريد نظام السفّاح بشار الأسد قتلهم، وكلّ من أيد الثورة السورية يوماً يعرف هذه الحقيقة، بل إنّه نجا من محاولات اغتيال وإصابات عدّة قبل أن يستشهد في المكان الذي يناسبه، ساحة المعركة، والشرط الذي يناسبه، في لحظة انفجار، وبالأثر الذي يناسب حدثاً كهذا... قيامة ثانية للثورة.

عبد الباسط الساروت بألقابه العديدة كان رمزية سعى النظام وحلفاؤه والمليشيات الإرهابية التي تقاتل في معسكره إلى طمرها، وكأيّ قتلة، لا يملكون حلولاً ضد خصومهم سوى التوهم بأن موتهم سينهي وجودهم.
قتلوا "بلبل الثورة" و"منشدها" في ظن مواراة الرمزية التي أوقدت ساحات حمص وشوارعها في بواكير الثورة السلمية، لتنفجر في وجوههم أسطورة "المغني المقاتل" وتعيد إنتاج صورة جلبوا كل إرهابي وقعت عليهم أياديهم لشطبها، توحّد السوريون وراء الفجيعة، وشُيّع الشاب ذو الـ27 عاماً ملايين المرات في كل سطر كتب عنه وكل أغنية ترددت في جنازته الجامعة.

فشلت أمواج الشماتة والتشفي في إخفاء أنّه قاد ميتاً إحدى أكبر التظاهرات في تاريخ الثورة الدامي، وتهاوت الافتراءات أمام قيمة الحقيقة التي نفض استشهاده عنها غبار اليأس والفوضى... الثورة وقرتْ في وجدان السوريين ولا سبيل لإزاحتها، ولا معنى لإنكارها، ولا طريق لتذويبها في جحيم المذابح والأسلحة الكيماوية والبراميل ومسالخ التعذيب وحصار التجويع.

استشهاد عبد الباسط الساروت كان حدثاً متوقعاً في خضم حرب يخسر السوريون فيها يومياً أرقاماً ينوء بها الإحصاء من المدنيين والمقاتلين، وهو لم يكن يوماً في بساطته وعفويته ومزاجه البدوي ليضع نفسه في موقع أعلى شأناً من أيّهم، لكنّ رمزيته الكاسحة التي بدأت بشاب غادر للتو سنيِّ مراهقته ليتصدر مشاهد ثورة عارمة تجتاح مدن وقرى سوريا، هي ما منحته حظوة مرافقة تحولات الثورة يوماً بيوم، ليرسم اختصاراً لجيل كامل سحقته الحرب، ودمغت شناعات ومذابح الأسد حياته، وغيرت مصائره في أتون الدفاع عن الحياة بدفع الموت عنه، وإن كان الموت هو الثمن.

وبدل أن يكون الساروت نجماً يحرس اسم سوريا على خط مرمى ملعب كرة القدم، بات عليه أن يكون نجماً يحرس اسم سوريا على الأكتاف متظاهراً وشهيداً.