أحياء مدينة اللاذقية المعارضة تقاوم بصمت

متداولة لهدم أحد البيوت في الرمل الجنوبي

رغم قضاء النظام على أشكال الاحتجاجات العلنية والتظاهر وسط أحياء الصليبة والرمل الجنوبي وقنينص في اللاذقية، إلا أنه لم يستطع القضاء على المقاومة التي اتخذت شكلاً آخر غير علني أو مخطط، ظهرت نتائجها في مقاطعة مطعم أبو السويس المعروف حتى إغلاقه منذ أشهر.

تعيش هذه الأحياء (أحياء السنة) اليوم في عزلة اجتماعية عن موالي النظام، وتعزل كذلك من وسطها عبر طرق مختلفة كل من يُعرف بولائه أو دعمه له، إذ لم يعد بإمكان أبناء هذه الأحياء الخروج بالمظاهرات والاحتجاجات، التي قابلها النظام وميليشياته في بدايتها بالقمع والقتل وإطلاق الرصاص بشكل مباشر، فضلاً عن قصف حي الرمل بالصواريخ من البحر، وارتكاب مجزرة في حي الصليبة راح ضحيتها عشرات الشبان، ما دفع إلى إيقاف التظاهر ومظاهر الاحتجاج وهرب المطلوبين ممن شاركوا فيها خارج المدينة أو اعتقالهم.

أنتج الموت ثم القمع والخوف عقب تضييق القبضة الأمنية مقاومة صامتة اجتمع أغلب السكان المعارضين عليها، دون أي اتفاق أو تخطيط، وأجبرت -على سبيل المثال- مطعم أبو السويس الذي يعتبر من أهم المطاعم الشعبية في المدينة على الإغلاق، بعد أن ظل لسنوات يقدم وجبات المسبحة والفتة لزبائنه من كافة المحافظات، وسبق أن زاره رأس النظام بشار الأسد وتناول وجبة الإفطار فيه قبل الثورة بعدة أعوام في إحدى زياراته لمدينة اللاذقية، مشجعاً أبناء "الأحياء العلوية" في المدينة -كما فُهم من ذلك وقتها- إلى زيارة "أحياء السنة" وكسر حاجز الخوف والعزلة بينهم، وقد عاش هذا المطعم فترة ازدهار طويلة، وتحول لأحد أهم معالم المدينة ومقصد لكافة زوارها من المحافظات الأخرى، حتى أن زواره كانوا أحياناً يحتاجون لعدة ساعات للحصول على مقاعد للجلوس على إحدى طاولته بسبب الازدحام الشديد.

مع بداية المظاهرات ومشاركة أبناء حي الصليبة فيها، تحولت وظيفة صاحب المطعم إلى عميل لقوات النظام مهمته التبليغ عن الشباب الذين نسقوا أو شاركوا في المظاهرات، مستغلاً معرفته بكافة أبناء الحي ومنازلهم، ومحولاً مطعمه لفرع أمن مصغر تكرر اعتقال الشبان من داخله. ومع تردي الوضع الأمني في المدينة واعتقال عدد كبير من الشباب من داخل المطعم أو بسبب صاحبه قاطعه السكان كيفياً، ونظراً لخشية الأهالي في الأحياء الأخرى -لاسيما الموالية- من زيارة حي الصليبة الذي بات معروفاً بمناهضته النظام وكرهه لمواليه، قل عدد زبائن المطعم بشكل كبير، ما أجبر صاحبه أخيراً على نقله إلى حي الزراعة الموالي مع بداية العام الجاري.

تنسحب المقاومة الصامتة الكيفية على مقاطعة الكثير من أبناء الأحياء المذكورة شراء الأغراض من "سوق الجمعة" الذي يقام كل أسبوع في المدينة، رغم الحاجة الماسة أمام أسعار المواد الرخيصة، ومعروف أن غالبيتها مسروقة أو "معفشة" من المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام والميليشيات المقاتلة معها، والتي يشكل أبناء الأحياء الموالية في مدينة اللاذقية جزءاً كبيراً منها. كذلك ترفض بعض الأسر المساعدات الغذائية أو المالية التي تعمل المنظمات الروسية أو التابعة للنظام على توزيعها على الأهالي بين الحين والآخر، ولا يتوجهون للتسجيل أو الحصول عليها.

حكيم (اسم مستعار) أحد سكان حي الصليبة الذين مازالوا يعيشون فيه، يوضح لعين المدينة أنه لا يوجد اتفاق أو تخطيط بين سكان اللاذقية المعارضين على مقاطعة المطعم، أو عدم الشراء من الأغراض "المعفشة"، لكنها "ردة فعل طبيعية" على الأذى من عملاء النظام الذين شاركوه في استهداف الشبان، الذين هجروا خارج المدينة أو اعتقلوا وتمت تصفية بعضهم في المعتقل، فضلاً عما تعرّض له سكان هذه الأحياء من ظلم وتمييز سابق زاد وبات ظاهراً للعيان في عمر الثورة، لذلك "من المؤكد أنه سيكون هناك نبذ ورفض لكل من يخدم النظام".

الرفض الصامت للنظام دفع الأخير إلى إغلاق مركز لتطويع الشبان في قواته كان قد افتتحه في حي الصليبة لعدة أسابيع، ثم أغلقه بعد أن وجد القائمون عليه أنه لم يتوجه إليه أي متطوع أو متطوعة، يشرح الناشط المدني المقيم في ريف إدلب "عمر اللاذقاني" أن هذه المناطق تعاني من فقد أبنائها المشردين، وأنه لا سبيل للقاء الأهل بأبنائهم سوى سقوط النظام، لذلك "يعتقد البعض أنهم من خلال هذه التصرفات قد يساعدون في سرعة إسقاط النظام أو يأثروا عليه، فضلاً عن أن بعضهم يعمد إلى إعادة روح الثورة وتحقيق أي شيء لصالحها، ولو بشكل معنوي، وآخرون يرون أن أي شيء يطلبه موالو النظام يتوجب عليهم فعل عكسه للانتقام، ومنهم من يأخذ بعض التعليمات من أبنائهم خارج المدينة، وهذا ما يدفع للاستمرار في المقاومة، رغم أن النظام يعتقد بأنه نجح في قمع معارضيه في اللاذقية".