في مدينة دير الزور حيث يُسمح بشتم الميليشيات والمسؤولين الصغار والمحافظ

من أرشيف المجلة

يُقدّر ناشط في جمعية خيرية طلب إغفال اسمه لـ عين المدينة، عدد العائلات النازحة التي عادت إلى دير الزور، بعد إصدار وزارات النظام ما يُعرف بقرار "فك الارتباط" الذي أجبر الموظفين النازحين على العودة، بـ (20) ألف عائلة، جاء معظمها من مدن خاضعة لسيطرة النظام.

ضاعف النازحون العائدون إلى دير الزور من عدد سكان الأحياء الثلاثة المأهولة (الجورة -القصور-هرابش) ورفع من بدلات استئجار المنازل فيها، لتُفضّل مئات العائلات أن تسكن منازلها طالما بقي هيكل المنزل وجدرانه قائمة، وبالرغم من انقطاع مياه الشرب والكهرباء والاتصالات. ويروي كثير من العائدين قصص معاناة اقتصادية وأمنية ونفسية، عاشوها في رحلة النزوح، قبل أن تبدأ معاناة أخرى في ديارهم بعد العودة.

في جولة في الأحياء المدمرة، التي سيطر عليها النظام في مدينة دير الزور، يُشاهَد من حارة إلى أخرى كهولاً ونسوة وشباناً جاؤوا يتفقدون منازلهم. وتُعلن الأغلبية منهم تبدد الأمل بأن يكون شيء ما في ذاك المنزل قد بقي على حاله. فمن كان محظوظاً بنجاة بيته من التدمير، يشكو من سرقة كل ما فيه، من الأثاث، الأبواب، الشبابيك، حنفيات المطابخ والحمامات، والسيراميك، وحتى التوصيلات الكهربائية بانتزاع أسلاك النحاس من أنابيبها في الأسقف والجدران.

"هذا بيتنا" يشير رجل في الأربعين من العمر إلى كومة حجارة طينية في حي الحميدية، ويوقفنا لبثّ شكواه من دون سابق معرفة. "بعد ما ماتت حبابة (أمه) تركناه، ما أعطيناه لمتعهد يطلع بيه بناية"، ويقول آخر أن صاروخاً دمر نصف منزله وخلخل الأعمدة والجسور في النصف الثاني، ويجزم بضرورة هدم البيت كله ليُبنى من جديد، قبل أن يلعن المتسببين "دمروا البلد هالعرصات" قاصداً الثوار، وكالعادة تأتي اللازمة "ليش ما انقصفت الجورة والقصور!"، حيث نزح إلى الحيين صيف العام 2012، وظل هناك لعامين كاملين قبل أن يُغادر إلى دمشق، ومن دون أن يسيء له أحد، أو يسأله أحد "وين الطريق؟" حسب ما زعم متذمراً من السلوك المتغطرس لـ "عجيان الدفاع الوطني".

يتمتع مؤيدو النظام بقدرة كبيرة على الإنكار، إنكار الفاعل الرئيسي الذي دمّر البيوت أو نهبَها، ويُبدي حتى من فقدوا إخوة أو أبناء أو أقارب رفضهم تحميل النظام أي مسؤولية عن الكارثة الكبيرة التي حلّت بدير الزور، وعلى الدوام يجدون ما يبررون به سلوكه الإجرامي. يُجادل كمال (اسم وهمي) -وهو موظف نزح إلى مدينة الحسكة وأُجبر على العودة مؤخراً ليستأنف وظيفته "الحكومية" تحت التهديد بالفصل- دفاعاً عن النظام، رغم مقتل شقيقته وأطفالها بغارة جوية، واعتقال شقيق آخر منذ (5) سنوات، ورغم تدمير الشقة الصغيرة التي تملّكها كـ "شقا عمر" في حي الموظفين، ويُحيل الانفلات الأمني وغطرسة عناصر الميليشيات إلى خلل "بأنفسنا احنا"، مستشهداً على ذلك بأن معظم عمليات السرقة قام بها منتسبون محلّيون إلى الميليشيات، التي يأمل أن تُحلّ قريباً ليبقى السلاح بيد الجيش والأمن والشرطة فقط.

فئة أخرى يُسمح بشتمها علانية، هي فئة مديري الدوائر الحكومية الصغار، الذين يتحملون حسب ما يرى مؤيدو النظام، مسؤولية انقطاع مياه الشرب والكهرباء ورداءة الاتصالات وتردّي الخدمات الصحية، وتأخّر تنظيف الشوارع من الركام، وتروج أنباء عن صفقات مشبوهة، عقدها هؤلاء مع مقاولين فاسدين، لتنفيذ مشاريع وهمية بعشرات ملايين الليرات. ومن الشائعات المثيرة للاهتمام، شائعات عزلٍ مُرتقبٍ لمسؤول محلّي ما وإحالته إلى القضاء، واكتشاف عقارات وأراضٍ، وأحياناً أرصدة بنكية في الخارج مسجلة باسمه، أو اسم زوجته المقيمة في دمشق ولم تطأ قدماها دير الزور منذ ((6 سنوات، حسب ما ترصد معظم الشائعات، ودون أن تربط هذا الفاسد بحاميه من ضباط المخابرات أو المسؤولين الأرفع مرتبة في دمشق، أو وضع ذلك ضمن سلسلة نتائج ممارسات سلطوية لا تنتهي.

وعلى فيسبوك الأحياء المأهولة الثلاثة، تنشط صفحات محلية تُعبّر عن ذات الجو العام، لكن مع سقف أعلى للشتم. فبأوامر من أجهزة الأمن، بدأت الصفحات الإعلامية التابعة لها بانتقاد المحافظ، واتّهامه هو الآخر بالفساد، رغم الزخم والدعاية المرحّبة به قبل أشهر قليلة فقط.