في دمشق.. التكيف مع الجوع من دون جدوى

مخبز الشيخ سعد بمنطقة المزة/متداول

كل يوم، وأحياناً من ساعة إلى أخرى ترتفع الأسعار، لتنشأ ظاهرة جديدة من ظواهر التكيف مع الفاقة والتحايل على الجوع. مثل ازدياد عدد النسوة والرجال الذين ينبشون حاويات القمامة أمام المطاعم. اختصار عدد الوجبات وتقليص كمية الطعام في كل وجبة. والسير على الأقدام عدة ساعات توفيراً لأجرة المواصلات لا سيما الموظفين وطلاب الجامعة.

في الأشهر الأخيرة، بدأت محلات "الفروج" في دمشق، ببيع رؤوس الدجاج وعظام الرقبة والقفص الصدري بغرض الاستخدام البشري، بعد أن كانت ترمى للقطط والكلاب في الشوارع. وسرعان ما ارتفع سعر المجموعة العظمية للدجاجة الواحدة إلى ١٥٠٠ ليرة تقريباً، وصارت تستخدم للطبخ.

”ليش مين عم يطبخ هلأ؟“، تتساءل أم سعيد التي تسكن في حي الزاهرة الجديدة  لأن“ ٧٥ بالمية من الناس بطلت تطبخ من الغلا، البرغل صار بألفين أقل شي والرز لما يوزعوه معونة بيرجع ينباع بألفين" كما تقول.

وبعد أن ارتفع سعر الزيت الأبيض مثلاً، من ٥٥٠٠ ليرة أول شهر شباط إلى ٧٠٠٠ تقريباً منتصف الشهر إلى أكثر من ٨ آلاف في آخره، تحول الزيت من مادة تستعمل في الطبخ إلى عنصر غذائي رئيسي ومباشر، يدهن على رغيف خبز ويرش بالملح والنعناع الجاف، وارتفع سعر كيلو غرام الزعتر من ٨٥٠٠ ليرة في أول شباط إلى ١٥ ألف، ما أخرجه من قائمة المواد الرخيصة التي تتوافر في معظم المنازل.

هنالك شائعة يتناقلها الناس باهتمام شديد، وهي أن المؤسسة السورية للتجارة ستعرض أنواعاً جديدة ورخيصة وبجودة أقل من المواد الغذائية، مثل زيت القطن، ونوع رخيص من السكر الأسمر. لكن كثيرين ومن بينهم بعض موظفي السورية للتجارة أنفسهم، يقلِّلون من جدوى هذا الإجراء بسبب انهيار قيمة الليرة السورية وحتى لو طبق على نحو مثالي ومن دون سرقات.

في محطات "السرافيس" وقرب أفران الخبز، صار من المألوف أن يبادر شخص ما، لا يبدو أنه قد تسول في السابق، إلى طلب المساعدة  لاستكمال أجرة العودة إلى المنزل أو شراء أي شيء يؤكل. ومن المألوف أيضاً أن يعرض رجل أو امرأة، وقوفاً أو على كيس على الأرض أنواعاً غير متجانسة من البضائع والمواد، يبدو أنها جُلبت مباشرة من المنزل أو أنها مسروقات.. ساعد يد، علبة مربى، حذاء مستعمل، حقيبة سفرية، مصباح يدوي، وأشياء أخرى شديدة التنوع.

واتسعت ظاهرة بيع الأدوات والمواد المستخدمة في المنزل في الشوارع، وعبر مجموعات الفيسبوك والواتس أب، وعندما قررت أم سعيد بيع سجادة كانت تمدها في غرفة رئيسية بالمنزل عرضتها في تطبيق واتس أب، وهي تفكر اليوم ببيع جزء من أواني المطبخ "طنجرة ضغط، وخلاط فواكه وطقم كاسات عصير.. مالي بعازتها“.

بيع الأواني المنزلية بالنسبة لربة منزل كانت تعتز بذاتها مثل أم سعيد، تنازلٌ كبير لم تكن لتقدم عليه لولا التدهور الذي طرأ على حياة عائلتها بعد أن توقف أبناؤها الشباب عن العمل "الكبير كان معلم أركيلة بالربوة، ومشغل إخواته الاتنين بس بطلوا كلن، ما ضل شغل وصار عم يخسر من جيبه“.

لم يعد الوارد بالنسبة للعاملين بأنواع المهن والحرف المختلفة، يكفي لمواصلة دورة العمل، حيث اضطربت هذه الدورة بسبب الصعود السريع والمستمر لأسعار المواد الأولية، فـ"بيع بلوزة صوف بأي سعر ما بيجيب كمية الصوف اللازمة لشغل نفس البلوزة“.. يشرح رأفت الخياط الذي استغنى عن اثنين من العاملين معه ويفكر بالاستغناء عن الثالث ريثما تتسنى له فرصة لتصفية أعماله كلها والرحيل إلى مكان لم يحدده بعد "يمكن مصر ويمكن ويمكن دبي ويمكن تركيا“، حيث سبقه بعض أفراد عائلته وبعض أصدقاءه إلى هناك.

أمام محلات البقالة يتكرر أن تحدث مشاجرات بين البائع وأشخاص حاولوا السرقة من المحل "قد ما سرقوني حطيت خشبة ومنعت الفوتة عالمحل واللي بده شي يطلبه من الرصيف وأنا بجيبه“.. يقول أحمد الذي يدير محل بقالة لعائلته في حي الميدان، ويميز نوعين من الزبائن اللصوص: أولاد الحرام الذين يسرقون بالرغم من امتلاكهم المال، والفقراء المعدمون، ويؤكد أن كثيراً من الفقراء "المعترين ما بيسرقوا، لكن بيشتروا شي أقل عن أول بكتير“، مثل نصف أوقية لبن، حفنة شاي إما مئة أو خمسين غرام، وكأساً صغيرة من الأرز، بما يكفي ليوم أو لوجبة واحدة ولعدد قليل من الأفراد. يحترم أحمد هؤلاء الناس وأحياناً يتنازل عن جزء من الثمن وخاصة لكبار السن والنساء.